دقة - حياد - موضوعية

القطاع الخاص في موريتانيا: رافعة مؤجلة للنمو الاقتصادي/ الدكتور ختار ولد الشيباني

2025-05-27 14:50:39

في ظل استمرار التحديات الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا، وفي وقت تتزايد فيه الضغوط لإيجاد حلول واقعية لمعضلات البطالة والنمو البطيء، يسلط هذا المقال الضوء على الفرصة المهدورة التي يمثلها القطاع الخاص في البلاد، مستندًا إلى تقرير البنك الدولي (أبريل 2025) الذي يدعو إلى تمكين القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهل آن الأوان لموريتانيا أن تعيد النظر في موقع هذا القطاع ضمن استراتيجياتها التنموية؟

 

أظهر تقرير المرصد الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الصادر في أبريل 2025 توقعات بنمو معتدل يبلغ 2.6% في المنطقة خلال العام الحالي، وسط تحديات اقتصادية عالمية تشمل النزاعات والصدمات المناخية. ويركز التقرير على أهمية دور القطاع الخاص في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. وفيما يخص موريتانيا، يتوقع أن يصل معدل النمو الاقتصادي إلى 4.2% في عام 2025، مقارنة بـ4.6% في 2024، رغم الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها البلاد في قطاعات التعدين، الصيد، الزراعة، والثروة الحيوانية.

 

تمتلك موريتانيا ثروات معدنية هائلة، إذ بلغت عائدات الحديد 831 مليون دولار في 2019، والذهب 596 مليون دولار، والنحاس 145 مليون دولار. كما يمثل الصيد البحري نحو 58% من إجمالي الصادرات و10% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم هذا التنوع في الموارد، يبرز التقرير أن القطاع الخاص لا يزال يواجه تحديات جوهرية تحد من قدرته على الاستثمار والمبادرة، من بينها صعوبة الحصول على التمويل، والتعقيدات الإدارية، وغياب بيئة قانونية مستقرة. هذه العوائق تحد من استغلال الموارد المتاحة وتؤخر عجلة التنمية الاقتصادية.

 

يشدد التقرير كذلك على ضرورة تفعيل المحتوى المحلي من خلال تشجيع استخدام الموارد والخدمات الوطنية في المشاريع الكبرى، خاصة في مجالي التعدين والغاز. كما يدعو إلى تعزيز قدرات الشركات الوطنية وتمكينها من الاندماج في سلاسل القيمة الاقتصادية. ويشير التقرير إلى أن موريتانيا، رغم ما تمتلكه من ثروات طبيعية وموقع استراتيجي، لا تزال تعاني من هشاشة اقتصادية تعكسها معدلات نمو ضعيفة، وعجز في امتصاص الضغوط الاجتماعية، لاسيما في صفوف الشباب، بالإضافة إلى اعتماد كبير على الإنفاق العمومي والمساعدات الخارجية.

 

الصدمات المناخية المتكررة، وضعف البنية التحتية، وتباطؤ التنويع الاقتصادي، كلها عوامل تُبقي الاقتصاد رهينة بالتقلبات، بدل أن يكون ناتجًا عن دينامية إنتاجية داخلية. ورغم التصريحات الرسمية المتكررة حول دعم القطاع الخاص، إلا أن الواقع يُظهر وجود فجوة كبيرة بين الخطاب والممارسة، حيث تظل بيئة الأعمال مثقلة بجملة من التحديات البنيوية، من أبرزها صعوبة الولوج إلى التمويل، خاصة بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتعدد المساطر الإدارية وضعف الرقمنة، وغياب ضمانات قانونية واضحة للمستثمرين، وانتشار الاقتصاد غير المهيكل، بالإضافة إلى نقص حاد في الكفاءات الإدارية والتقنية المؤهلة.

 

هذه العوائق جعلت القطاع الخاص الوطني، في الغالب، يتركز في قطاعات تقليدية مثل التجارة البسيطة والخدمات المحدودة، دون أن ينجح في دخول مجالات استراتيجية كالتصنيع، والتكنولوجيات الحديثة، والاقتصاد الرقمي. وفي هذا السياق، يدعو تقرير البنك الدولي إلى إعادة تعريف دور الدولة، بحيث تتحول من متدخل مباشر إلى ممكن وراعي لبيئة الأعمال، من خلال إصلاحات قانونية وإدارية تزيل العراقيل أمام الاستثمار، وتحفيز القطاع البنكي على تمويل المشاريع الإنتاجية، وربط التعليم والتكوين المهني بمتطلبات سوق العمل، وتشجيع رقمنة الخدمات وتسهيل تسجيل الشركات، وتوفير إطار قانوني يحمي المستثمرين ويكافح المحسوبية والاحتكار.

 

لقد تم منذ سنوات تنظيم منتديات وتقديم استراتيجيات متنوعة تحت عناوين مثل “تشجيع الاستثمار” و”النهوض بالقطاع الخاص”، لكن كثيرًا من هذه المبادرات بقي حبيس الرفوف ولم يجد طريقه إلى التطبيق. واليوم، في ظل ما تفرضه التطورات الإقليمية والدولية من ضغوط على الحكومات لتوفير فرص العمل وضمان الاستقرار، لا بد من الانتقال من مرحلة التشخيص إلى مرحلة التفعيل، ومن الدعم الشكلي إلى التمكين العملي.

 

في الختام، أرى أن موريتانيا لن تستطيع بناء اقتصاد مستقر وعادل ومستدام من دون إشراك فعلي وواسع للقطاع الخاص. فهذا القطاع، إذا ما أتيحت له الفرصة ووفرت له الأدوات، قادر على إحداث فارق حقيقي في مؤشرات التنمية، وبناء نموذج اقتصادي يُراهن على الإنتاجية بدل التبعية، وعلى الابتكار بدل الانتظار.

 

تابعونا على الشبكات الاجتماعية