عائلة أهل الشيخ آياه في موريتانيا تُعد من أبرز العائلات التي حملت لواء الطريقة القادرية في غرب إفريقيا، حيث لعبت الطرق الصوفية دورًا محوريًا في نشر التعاليم الإسلامية، وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش في موريتانيا وإفريقيا.
من خلال تعاليمها الروحية وأخلاقياتها السامية، ساهمت هذه الطرق في بناء جسور التواصل بين الثقافات المختلفة، ونشر الإسلام بطرق سلمية تعتمد على الإقناع بالحجج والبراهين، دون اللجوء إلى القوة.
في موريتانيا، كانت الطرق الصوفية، وفي مقدمتها الطريقة القادرية، من أبرز القوى التي ساهمت في نشر الإسلام وتعزيز قيم التعايش. وقد لعب شيوخ الصوفية دورًا هامًا في مقاومة الاستعمار، مما جعلهم رموزًا دينية واجتماعية مؤثرة.
ومن هؤلاء الشيوخ، برز الولي الصالح الشيخ سعد بوه بن الشيخ محمد فاضل بن مامين، الذي أفنى عمره في تربية النفوس، وبذل المال للفقراء والمحتاجين، وبث تعاليم الدين شرقًا وغربًا.
ترك خلفه إرثًا روحيًا كبيرًا، وأضحى ضريحه في النمجاط من أكبر المزارات في إفريقيا، يقصده الناس من كل حدب وصوب.
ومما يُروى من أدعيته المشهورة:
اجعل ضريحي كبيتك الحرام
تُقضى به حاجات سائر الأيام
ويقول أيضًا:
وهب لنا فيه تطلُّعَ الغيوب
حتى أرى فيه مربّي القلوب
واقض الحوائجَ لكل قاصدٍ
من صادقٍ ونائلٍ وقاصدِ
ومن أروع أبياته:
بقلبي سرُّ الكون والأمرُ مختفٍ
وأمري أمرُ الله مذ كان أمريا
ونومي خوضُ الغيب إن كنت نائمًا
جل جلالُ الغيب عن حال نوميا
ولستُ لدى الأكوانِ راءً حقيقتي
وإن غصتَ في المولى تراني فانيا
إذا لاحت الأسرارُ من كل وجهةٍ
تجدني موجودًا من السر باقيًا
إذا ضاءت الأنوار أو فاضَ سرُّها
هنا تظهر الأنوار من سر سريا
وروحي روحُ الكون فازت بسرّها
ومشربها من عين تحقيق نوريا
وقلبي للأكوانِ في كل مشهدٍ
ففي سر عين الذات كل كماليا
فلله رب العرش سلّمت أمريا
وبالحُكم قد رضيت، والله حسبيا
وموتي على الإيمان أرجو تفضُّلاً
وسرًّا على الأملاك نجمي مساويا
هذه الأبيات تلخّص فلسفته في الاعتماد على الله في كل الأمور، وهي رسالة تتردد أصداؤها في أرجاء النمجاط حتى يومنا هذا.
لقد واصلت العائلة المباركة مسيرتها، من الشيخ سعد بوه الكبير إلى الشيخ آياه رحمه الله، ثم إلى أبنائه الفضلاء: الخليفة الشيخ عبد العزيز، والشيخة العزة، والطالب بوي.
زيارة رجل الأعمال أحمد علي دينار ما هي إلا حلقة جديدة في سلسلة العلاقات العريقة بين هذه العائلة الكريمة والشعب السوداني الشقيق.
فهو من أحفاد السلطان علي دينار، آخر سلاطين دارفور، المعروف بمقاومة الاستعمار ودعمه للحجاج المسلمين وإرساله كسوة الكعبة لسنوات، وتجديده لمسجد ذو الحليفة، وحفره لآبار قرب المدينة المنورة.
وقد استقبلت العائلة الشريفة في النمجاط وفودًا سودانية عديدة، رسمية وغير رسمية، في أجواء من الترحاب، بعيدًا عن السياسة وشوائبها.
فأهل النمجاط يجمعون ولا يفرّقون، وهذا شأنهم وديدنهم منذ قديم الزمان. والمتتبع للأحداث في السنوات الأخيرة يجدهم دائمًا في طليعة كل حدث بارز: دعمًا لفلسطين وقضايا الأمة الكبرى، وتدخلات عاجلة لتفريج كرب المواطنين داخل البلاد وخارجها، إلى جانب جمعية خيرية لا تكلّ ولا تملّ من مواكبة المرضى والفقراء والمحتاجين، وكل ذلك يتم في سكينة تامة، ومن دون منٍّ ولا أذى.
إن هذه العائلة الشريفة تستحق من كل الأشراف والأحرار الدعم والتقدير، لما قدّمته من خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، ولما تمثله من رمز للكرم والتسامح والتواصل بين الشعوب.
لا زال آخر آل الشيخ أولهم...
يقفو، ولا زال يعلو كعبهم درجً