دقة - حياد - موضوعية

الزراعة... و اللفتة الكريمة

2020-08-13 06:51:23
تشير  بعض الدراسة  التي أجرتها بعض المنظمات الدولية المتخصصة العاملة في ميدان الزراعة، إلى أن الزراعة في أفريقيا تعتبر غير ناجحة أو غير قادرة على المنافسة بسبب سوء حالة الطرق، وخدمات الكهرباء  ونظم حيازة الأراضي التي لا تكفل ضمان حقوق الملكية، و بطء وتيرة التطور التكنولوجي، فضلا عن مشاكل الرقابة على العمال، والكثير من العوامل الأخرى المختلفة مثل الكوارث من الفيضانات و الأمطار و الجفاف و الأمراض و الآفات. مع غياب الخطط المحكمة  لتفادي وقوع هذه الكوارث و عدم وجود صناديق للتحدي لمخلفات هذه الكوارث في الوقت المناسب. .
 كما تشير الدراسة إلى مشكلة أساسية أخرى، و هي الإستخدام غير السليم للأراضي المتوفرة في إفريقيا. و أشارت الدراسة أن مساحة الأراضي التي تستخدمها الأسر في زراعة المحاصيل تظل صغيرة ، مع محدودية إستخدام الميكنة الزراعية الضرورية لعصرنة الزراعة و زيادة مردوديتها .
 
و عند مطالعتي لهذه الدراسة وجدت أنها فعلا وضعت اليد على الوجع كما يقال.
 
وقد تبادر الى ذهني ما شهده شبه قطاع الزراعة المروية خلال الحملة الصيفية المنصرمة من خسارة حقيقية أدت الى إتلاف حوال 40 % من المساحات الزراعية المروية في منطقة اترارزة.
 
و قد ثمن الجميع  عاليا ما إتخذته الحكومة بتوجيهات من فخامة الرئيس محمد ول الشيخ الغزواني من إنصاف و مؤازرة للمزارعين المتضرين من  الكارثة الحقيقية التي تسبب فيها  النقص الحاد في الحاصدات، مما أخر الحصاد حتي تعرضت بعض المزارع للأمطار الخريفية.
 
إن  هذا النقص في الآليات الزراعية، ناتج عن تراكمات  من سوء تسيير الأسطول الكبير من الحاصدات و الجرارات وآليات الحرث و التسوية، الذي تم إقتناؤه على ميزانية الدولة أو في إطار التعاون الموريتاني الياباني خلال العشرين سنة الماضية. 
و قد تم بيع هذا الأسطول خلال العشرية الماضية، الى بعض الخصوصيين و التعاونيات الزراعية، دون وضع آلية للصيانته.
 
 إن هذه الكارثة أثبتت ضرورة ، إنشاء صندوق للكوارث ممول من طرف الدولة و القطاع الخاص و المزارعين حتي يجد المزارع ذاته في هذا الصندوق .
 
إن اللفتة الكريمة من وقت الى آخر هي في نظري، العدو الاول  للزراعة.
فالزراعة تحتاج الى تمويل دائم و جاد و متعدد المصادر ، ليس فقط من الجهات الحكومية،  و لكن أيضا من عديد الجهات المصرفية كالبنوك  و من الجهات الدولية المانحة التى تتبنى مشاريع و مبادرات تنموية في مجال الزراعة ، كما هو الحال في باقي دول العالم و خاصة في الدول المجاورة.
 
كما أن الزراعة تحتاج يضا الى مزارعين يؤمنون بها و بأهميتها و أهمية الإستثمار فيها عن طريق القروض الممنوحة من البنوك و المصارف المتخصصة التي تتوخى و تشترط الإستدامة و الربحية المضمونة و الثقة المتبادلة و الإلتزام بشروط القروض و تسديدها في آجالها. 
 
إن الزراعة كباقي القطاعات الربحية ، تعطي حسب ما أعطي لها و تزيد بربحية عالية ، الا أنها لا تعيد المبالغ التي أخذت بإسمها و صرفت على غيرها ، و الإشكالية الأخيرة  تجعل البنوك و المصارف تعزف عن منح القروض لصالح المزارعين، كما يتم في كافة دول العالم.
 
و مما تقدم يتضح أن النهوض بقطاع الزراعة بصورة نهائية، بدون  اللجوء الى اللفتات المتكررة أو التدخلات الغير مبرمجة ، يتطلب تكاتف الجهود بصورة تشاركية بين الدولة و جميع الفاعلين في مجال الزراعة و خاصة المزارعين.
 
فعلى المزارع الإلتزام باستخدام التكنولوجيا الحديثة في مجال الزراعة، و التقيد بالخطة الجديدة الرامية الى إنتاج جميع المحاصيل المتأقلمة مع الظروف المناخية، على مدار العام،  و إستثمار القروض الزراعية في مختلف النشاطات الزراعية من تسوية للترب و بذور محسنة و تسميد و مكافحة الاعشاب الضارة و كذلك الإلتزام بالمسطرة الفنية الوصى بها، و عدم اللجوء الى بعض الفنيات الزراعية الغير مرغوبة.
 
و على الدولة توفير بعض المتطلبات و الخدمات بصورة دائمة و هذه المتطلبات و الخدمات هي : 
- تشييد البني التحتية الضرورية من استصلاحات زراعية و فك العزلة (طرق وممرات) و تنظيف الروافد.... الخ ؛
- وضع نظام محكم و متطور لتوفير القروض الزراعية ، يراعى جميع متطلبات المزارعين كإقتناء المدخلات الزراعية بأسعار مدعومة 《بذور ، اسمدة ، مبيدات للحشائش .... الخ》 و توفير قروض متوسطة و طويلة الآجال للفاعلين الزراعيين لإقتناء الآلات الزراعية الضرورية تسمح بتوفير خدمات الإستصلاح و الحراثة والحصاد في الآجال المحددة و بأسعار مدعومة وفي متناول الجميع؛
- توصيل الكهرباء للمزارع على طول الضفة للتقليل من كلفة الانتاج؛
- توفير طاقم إرشادي متمرس و متنوع حسب المستوى الثقافي و الفني لكل فئة 《 فئة التعاونيات و إرشادها ، فئة الخصوصين و إرشادهم و تكييف هذا الإرشاد مع مستوياتهم الثقافية》؛
- وضع ضوابط لجميع العمليات الزراعية الفنية من بداية الإستصلاح الى نهاية عمليات الحصاد : { تجهيز الأرض ، نوعية و أصناف البذور و الكميات الموصى بها، نوعية الأسمدة و الكميات الموصى بها و فترات إضافتها، كميات المبيدات الموصى بها و كيفية استعمالها و فترات الري و الصرف ....... الخ}؛
- مكافحة الأمراض و الآفات الزراعية و خاصة آفة الطيور آكلة الحبوب، مكافحة فعالة مبنية على إستخدام جميع طرق المكافحة من طرق بيولوجية و ميكانيكية عن طريق تحديد أماكن توالد هذه الطيور و هدم أعشاشها لنقص أعادادها خلال فترة الإنتاج ، بدون اهمال المكافحة برش المبيدات في أوكار هذه الطيور ليلا ، بإستخدام الطائرات والسيارات ، وبتنسيق محكم مع المزارعين و منظماتهم المهنية؛
- إنشاء صندوق للكوارث من فيضانات و جفاف و أمطار و رياح و أمراض و آفات؛
-  تكثيف الزراعة عن طريق إلتزام جميع المتدخلين بضبط مسطرة الحملات الزراعية خوفا من تداخل الحملات و ضياع الجهود، و لجوء بعض المزارعين الى بعض الممارسات الغير مرغوبة فنيا كما يعرف بري بقايا محصول الارز خلال فصل الخريف نتيجة للتأخر في بدء الحملة الخريفية.
 
و الجدير ذكره ان النظام المروي ، يوجد به ثلاث حملات زراعية متتالية ، يمكن الالتزام  بإنتاج جميع المحاصيل المتأقلة مع ظروفنا المناخية، على مدار العام ، اذا احترمنا الآجال الفنية الموصى بها من طرف القائمين على الأبحاث الزراعية، على أن يتم التركيز على زراعة الأصناف قصيرة العمر (110 الى 120 يوما)  و ذات الإنتاجية العالية و المقاومة للأمراض و الآفات و المتحملة للظروف البيئية غير الملائمة ، خاصة ملوحة و قلوية التربة و تمتاز كذلك  بصفات جودة عالية من حيث نوعية الحبوب التي تلائم الإستهلاك المحلى اي ذوق المستهلك. 
و هذه الحملات الزراعية هي : 
• الحملة الخريفية و هي الحملة الرئيسية و يبدأ البذر الموصى به فنيا من فاتح يوليو الى غاية 15 اغسطس بالنسبة لزراعة الارز، مما سيجنب اصناف الأرز الدخول في فترة الشتاء التي لا تلاءم نموها؛
• الحملة الشتوية و يبدأ البذر الموصى به فنيا من فاتح نوفمبر الى يوم  25 نوفمبر بالنسبة لمحصول القمح و محاصيل الخضروات و  بشنة و اللوبيا و الذرة البيصاء ، مما سيجنب القمح  و الخضروات الدخول في فترة الصيف التي لا تلاءم نمو هذه المحاصيل؛
• الحملة الصيفية و يبدأ البذر الموصى به فنيا من 15 فبرائر الى 15 مارس بالنسبة لمحصول الارز وهو المحصول  الاساسي، مما سيجنب محصول الارز فترة الامطار الخريفية؛
 
ان هذه الإختلالات و المعوقات و غيرها  قد أكدها معالي وزير التنمية الريفية السيد ادي ول الزين، مرارا خلال مقابلاته المتكررة و خصوصا خلال تعقيب معاليه علي الاجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء  و الخاصة بتنظيم الحملة الزراعية  و المتضمنة لوضح الحلول المناسبة لمعظم هذه المعوقات و الإختلالات. 
 
ان اعادة الثقة في معالي وزير التنمية الريفية السيد ادي ول الزين ، سيعطى لا محالة دفعا جديدا لهذا القطاع ، حيث انه استطاع خلال السنة الاولى من حكم السيد الرئيس ان يضع خريطة طريق واضحة المعالم ، تهدف الى ايجاد الحلول الدائمة و الفنية و المتفق عليها بصورة تشاركية مع مختلف الفاعلين في القطاع،  لأهم المعوقات و الخرقات التي عانى منها هذا القطاع منذ سنين عديدة.
 
و قد تَطَرَقْتُ لبعض هذه الحلول في تدخلات سابقة ، و لا باس بالتكرار فربما يرسخ الافكار. 
 
ومن أبرز هذه الحلول و ألحها   : 
- وضع تصور واضح و خطة متكاملة للنهوض بشعبة قطاع البذور - و هي خطوة فريدة و غير مسبوقة و تستحق الاشادة- لأحد اهم المدخلات الزراعية حيث يساهم لوحده في 45 % من مكونات المردودية. و تعانى الزراعة المروية من عدم الإهتمام بالبذور منذ فترة مما قد يحولها  الى زراعة تقليدية ، لان تجديد الأصول الوراثية من المبادئ الأساسية للزراعة الحديثة مهما اضفت من سماد أو عالجت من حشائش او استجلبت من آليات زراعية ؛
- البدأ بصورة جدية و تشاركية تأخذ كل نقاط القوة من التجارب السابقة في مجال التمويلات الزراعية ، عن طريق انشاء نظام للقرض الزراعي يلبى و لأول مرة جميع إحتياجات المزارع بدءا بالإستصلاح ، موررا بإقتناء المدخلات الزراعية و توفير الخدمات الخاصة بالآليات الزراعية و فتح الباب أمام القروض المتوسطة و الطويلة الآجال.
- دراسة جدية للنظام العقاري و ربطه بالنظام المالي وموأمته للبيئة الزراعية و هو من أهم ركائز نجاح اي نشاط زراعي يتطلب التمويل ،و موأمته  أيضا مع واقعنا الزراعي عن طريق مراجعة نظم حيازة الأراضي الزراعية التي تكفل ضمان حقوق الملكية؛
 
-البدأ بتفاوض مع وزارة الطاقة لتوصيل الكهرباء الى جميع المناطق الزراعية في الضفة اليمنى، لتقليل تكلفة الانتاج؛
- وضع برنامج متكامل - و البدأ في تنفيذه - لفك العزلة عن مناطق الإنتاج و تنظيف روافد نهر السنيغال على الضفة اليمنى، لضمان إنسيابية الري الى جميع المزارع ؛
- إعادة تشكيل نظام إرشادي فعال لمواكبة المزارعين خلال هذه المراحل المليئة بالتغيرات الهادفة الى عصرنة الزراعة ؛
-  تطبيق المسطرة الفنية الموصى بها، و زيادة الكميات المخصصة من السماد المركب و من مبيدات الحشائش لزيادة المردودية و توحيد تسعرة الأسمدة المختلفة؛
- خلق إطار تشاوري بين مختلف الفاعلين في القطاع لمواكبة هذه البرامج و الخطط الرامية الى الوصول الى الإكتفاء الذاتي و الى السيادة الغذائية في الآجال المحددة في إستراتيجية القطاع الريفي .
 
و الله يوفقنا جميعا لما فيه خير هذا الوطن العزيز.
 
مع أطيب التحيات
 
 المهندس احمدو يحي البناني

تابعونا على الشبكات الاجتماعية